كونا- شكلت ملحمة تحرير الكويت من الغزو العراقي الغاشم عام 1991، مفصلاً مصيرياً للبلاد وأهلها وتوثيقاً لحقبة مهمة من تاريخها، وكانت بحق منطلقاً لرسالة سامية كتبها شهداء وشهيدات الكويت بدمائهم الزكية، عنوانها الشهادة، ولونوها بأروع صور التضحية والفداء من أجل الوطن.
ولما كانت الشهادة أسمى درجات التضحية، فإن الاستشهاد من أجل الوطن يحمل بعداً ذا قيمة إنسانية عالية، وهذا ما جسده شهداء وشهيدات الكويت إذ حملت تضحياتهم أبعاداً أكثر عمقاً، عندما امتزجت دماؤهم على أرض الوطن دفاعا عنه وعن شرعيته.
وشهدت فترة الاحتلال الكثير من المواقف البطولية التي قدمتها نساء وفتيات الكويت في الذود عن ثرى الوطن وكيانه، وكثيرة هي الحكايات التي توثق بطولاتهن والتضحية بدمائهن التي أريقت فداء للوطن ودفاعاً عن حريته وكرامته.
وتناقل أهل الكويت بكل الفخر حكايات التضحية والبطولة والفداء التي قدمتها الشهيدات مثل أسرار القبندي ووفاء العامر وسناء الفودري وسعاد حسن، وغيرهن اللواتي سطرن أسمى آيات البطولة في الدفاع عن الوطن ومقاومة الاحتلال من خلال الانضمام إلى المقاومة الكويتية أو تنظيم المسيرات المناهضة للاحتلال، حيث عرف عنهن الشجاعة والبسالة في التصدي للمحتل وصولاً إلى نيل الشهادة.
وفي هذا الصدد قالت الوكيل بالديوان الأميري المدير العام لمكتب الشهيد فاطمة الأمير، إن التاريخ سجل بأحرف من نور ارتقاء شهيدات كويتيات إلى جانب إخوتهن من الشهداء خلال فترة الغزو العراقي.
وأضافت الأمير أن عدد الشهيدات الكويتيات أثناء الاحتلال العراقي بلغ 67 شهيدة من بين 89 شهيدة من جنسيات مختلفة، وذلك بناء على إحصائية صادرة عن مكتب الشهيد، مشيرة إلى أن عدد الشهيدات الكلي يضم ثماني شهيدات من فئة المقيمين بصورة غير قانونية، وشهيدتين من البحرين وشهيدة واحدة من كل من مصر والأردن والهند.
وأكدت أن أول شهيدة كويتية في تاريخ البلاد، هي سناء الفودري التي اغتالتها يد المحتل العراقي في الثامن من أغسطس عام 1990 بطلق ناري أمام مخفر (الجابرية) أثناء مشاركتها في مظاهرات نسائية خرجت للتنديد بالغزو والمطالبة بعودة الشرعية بقيادة أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد، طيب الله ثراه.
ولفتت إلى أن الشهيدة الفودري أوصلت صوت جميع الكويتيين والنساء الكويتيات، خصوصاً إلى رئيس النظام العراقي البائد أنذاك «حيث كانت تهتف في المظاهرة بأن الكويت للكويتيين وأن أمير الكويت هو الشيخ جابر الأحمد».
وذكرت أنه كان للنساء الكويتيات شرف المشاركة في مقاومة المحتل العراقي، حيث ساعدت المرأة أخاها الرجل وقامت بأداء أدوار متعددة ومختلفة في المقاومة، حتى نال بعضهن الشهادة ومن بينهن البطلات أسرار القبندي ووفاء العامر وسعاد حسن.
وأشارت إلى الدور الذي قامت به الكويتيات سواء في داخل الكويت أو خارجها في مقاومة الاحتلال العراقي ودعم الشرعية الكويتية ففي الداخل عملت المرأة إلى جانب شقيقها الرجل في إدارة مرافق الدولة لاسيما المستشفيات والجمعيات التعاونية كما قامت بتوزيع الأموال والمواد الغذائية على أهل الكويت الصامدين.
وبينت الأمير أن هناك 77 شهيدة قام مكتب الشهيد بتسجيلهن شهيدات لدخولهن كذلك ضمن تصنيف ثانٍ لدى المكتب، من خلال تعريفه للشهيد إبان فترة الغزو العراقي، مشيرة إلى أن هؤلاء كن ضحايا قصور في الرعاية الصحية، سواءً في المستشفيات أو دور الرعاية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أو حوادث الطرق.
من جانبها، قالت والدة الشهيدة سعاد حسن آمنة الكندري، إن إيمان الشهيدة سعاد بالله وحبها وولاءها لوطنها وأميرها وقوة الوازع الديني لديها وإيمانها بالمكانة الرفيعة للشهيد في الدين الإسلامي جعلها تقدم روحها ودمها فداء للكويت وشعبها.
وأضافت أن الشهيدة سعاد كانت متدينة وتؤدي الفروض الدينية منذ طفولتها الأمر الذي أثر على تربيتها وجعلها على استعداد للتضحية بنفسها فداء لوطنها وأميرها، موضحة أن الشهيدة كانت على يقين بعودة الكويت وتحريرها من الغزاة إذ أبدت تماسكاً ورباطة جأش منذ تلقيها خبر الغزو رغم هول الكارثة لإيمانها بعودة الحق لأصحابه.
وذكرت أن سعاد التحقت بمجموعة (25 فبراير) المقاومة والتي قادتها الشهيدة أسرار القبندي حيث قامت بنقل الغذاء والأسلحة والنقود إلى أعضاء المقاومة الكويتية قبل أن تُعتقل وتستشهد في السادس من فبراير عام 1991 وتم إعدامها من قبل القوات العراقية حيث وجد جثمانها ملقى في إحدى ساحات منطقة (كيفان).
وأوضحت الكندري أن القوات العراقية المحتلة قامت باعتقالها مع ابنتها الشهيدة سعاد في العاشر من يناير عام 1991 بتهمة انتساب سعاد إلى المقاومة، ثم أطلق سراحها مع احتجاز الشهيدة في مخفر (العديلية)، حيث نقلوها بعد ذلك إلى مبنى محافظة العاصمة في (قصر نايف)، ثم إلى سجن الأحداث في منطقة (الرابية) قبل إعدامها.